مقدمة في دور المفاهيم في بلورة الدراسات الأمنية
أهلا بالجميع،
إن طبيعة الموضوع وطبيعة القضايا التي لها علاقة مباشرة بالأمن الإلكتروني، تجعل من فهم بعض الخصائص والآليات والأنظمة التي يقوم عليها الأمن الإلكتروني، والنتائج التي ترتبت عن الطفرة التكنولوجية أمرا مهما من أجل فهم الدور الذي أصبحت تلعبه تقانة المعلومات في الحياة السياسة والإقتصادية، والعسكرية، والإجتماعية، فالتطرق إلى المواضيع التي أصبحت لها علاقة وطيدة بالرقمنة أو الإلكترونيات، تعد جد صعبة، ذلك أن معالجة مثل هذه المواضيع، وإذا ما رأينا التطبيقات أو الأنظمة الإلكترونية التي تعالجها أو التي تقوم عليها، نجد أنها من جانب أول تعد متعددة، وتقوم على العديد من المركبات الصغيرة التي تساعدها على العمل بطريقة فعالة، ومن جانب آخر، نجد أنها متداخلة في البناء الهيكلي الخاص بها، خاصة أنها تقوم على مجموعة من المركبات الصغيرة ذات أنظمة وبروتوكولات متعددة ومختلفة تقوم عليها وتعد أساسية من أجل العمل أو تفعيل أنظمة الطوارئ عند فشل الأنظمة الأساسية. ولهذا يمكن القول أن ذلك يعد مثل كائن الإنسان، الذي يحاول دائما التطور والحفاظ على بقائه، والعمل على تحقيق أمنه الخاص بأفضل الطرق ممكنة بشكل مستمر ومتواصل، وهذا يعد أحد أهم الهواجس الحالية، تحقيق الأمن ومحاولة الحفاظ عليه مهما كلف ذلك، فهذه العملية مثلها مثل باقي التطورات في القرن الأخير، هي إمتداد واضح لما كان سيقوم به الإنسان من أجل تحقيق أمنه الخاص، وبسط هيمنته على الآخر ومحاولة تحقيق الرفاهية، والاستقرار.
هذا التطور التكنولوجي، إنعكس على طبيعة الصراع الذي أصبح قائم حاليا في العلاقات الدولية، وإنعكس أيضا على طبيعة الإستراتيجيات المعتمدة، والأسلحة المستخدمة، بل يمكننا حتى أن نرى الإنعكاسات على ذهنية الناس، إذ أصبحت هناك طريقة جديدة للتفكير يجب التعاطي معها مع أجل فهم هذي الثقافة التكنولوجية المنتشرة، فالتطور الذي حصل ساهم في خلق عالم جديد، وساهم أيضا في خلق حقول معرفية جديدة، فمن الواضح أن العالم ذاهب نحو التعقيد، أين أصبحت المشاكل أكبر من أن تعالج وفق حقل نظري واحد، كما أن الحياة السياسية أيضا رأت هذا الإعتماد الإلكتروني الذي حصل خاصة وأن الموارد التكنولوجيا مثلها مثل باقي التكنولوجيات التي طورت من قبل، فإن استخداماتها لطالما خضعت للدعاية والإستثمار الذي يمكن رؤيته في القضايا الإقتصادية ، والإجتماعية، والعسكرية، والسياسية.
هناك من يأخذ بالقول أن العلوم الإجتماعية والمواضيع التي تتعلق بالفلسفة وعلم النفس مثلا هي مجالات لا تعد دقيقة جدا، ولا يمكنها التعامل مع المصطلحات والمفاهيم بطريقة موحدة ودقيقة، بسبب إما إختلاف وجهات النظر، أو النتائج المتحصل عليها بسبب البيئة، أو الخلفيات الفكرية، أو الأيديولوجية للأشخاص الذين يتعاملون أن ينظرون في هذه المجالات؛ يمكن القول من جهة أخرى أن التعامل مع موضوع الأمن الإلكتروني وتقانة المعلومات يعد عكس ذلك تماما، فبعيدا عن كل ما يتعلق بالأجهزة والأنظمة، والمصطلحات التي تحدد هذا الحقل، فقد أدت الأوضاع الأمنية التي لها علاقة مباشرة بحقل تقانة المعلومات وتأمينها إلى قناعة المجتمع الدولي وخاصة منه الصناعي، والمستخدمين الكبار للشبكات الفائقة القدرة مثل ما هو الحال مع التبادل الفائق السرعة في البورصة (High Frequency Trading)، إلى قناعة جديدة وهي العمل المشترك من أجل توحيد المعايير المستخدمة من أجل فهم أسرع وتنسيق أكبر وإعتماد لغة موحدة على الصعيد العالمي، ونحن نتكلم هنا بطبيعة الحال على المقاييس أو المعايير الدولية، وبالأخص تلك التي تضعها المنظمة العالمية للمعايير الدولية (International Organization for Standardization)، وإختصارها هو أيزو (ISO).
الأيزو هي مجموعة من الوثائق التي تشمل مجموعة من الإتفاقيات والقواعد المتمثلة في مميزات تقنية، ومواصفات فنية محددة أو معايير أخرى للجودة يتم إعتمادها كقوانين وقواعد، ومجموعة من المبادئ، والتوجيهات، والتي توضع من أجل ضمان جودة المنتجات أو المواد أو العمليات، ومثل باقي العلوم التطبيقية فإنه من أجل أن يكوون هناك تواصل جيد وسرعة في التعامل مع الأخطار الأمنية، يتم توحيد المفاهيم ذلك أن مثل هذه العمليات تحاول أن تطور وتضع مفهوم الثقة المتبادلة بين الأطراف المتعاملة مع بعضها البعض، خاصة وأن الثقة يصعب تحقيقها، ومن جانب آخر توحيد اللغة المستعملة لوصف التهديد الإلكتروني، سيساعد على توحيد وجهات النظر وتفعيل عمليات الشراكة في هذا الصدد.
يمكننا أن نرى هنا أن المنظمة العالمية للمعايير تحاول أن تأخذ بالعقيدة في مجال البحث العلمي والتي تقول: أن العلم لا يتقدم إلا إذا تم تقاسم المعرفة، ولكن هذا طبعا لا ينطبق في جميع المجالات، كما يصعب تحقيقه أيضا، خاصة في المجالات البحثية الموجهة خصيصا للبحث على التطبيقات الإقتصادية للتكنولوجية المتوفرة حاليا، والمخابر الخاصة، والمخابر التابعة للحكومات، والمنظمات الدولية، مثل ما هو الحال مع المنظمة العالمية للصحة، ولهذا فإن هذه المحاولة هي عملية مجازفة مع هامش خطر مقبول من طرف الجميع من أجل تجنب ما هو أخطر، إذ أن الترابط الذي أصبح موجود حاليا في السوق العالمية، جعل من هذه المبادرة مقبولة من طرف الجميع إلى حد ما.
في الشق القادم سنحاول مناقشة العلاقة الوطيدة الموجودة بين المفاهيم والمصطلحات، وذلك لوضع قاعدة واضحة يمكننا البناء عليها لعرض مواضيع أكثر تعقيدا.
شكرا على مروركم،