حربائية الارهاب
مفترس يستطيع تقريبا أكل أي شي يدخل فمه، يفضل شرب ماء المجاري، يصطاد غذائه عن طريق إخراج لسانه بسرعة باتجاه الفريسة، ثم يسحبها بلسانه التي التصقت به، ثم يبتلعها بسرعه مدهشه غادرة، يغير لونه ضمن عوامل عدة منها لون المحيط الخارجي، وهو انطوائي لا يحب الآخرين .. يمكنك أن تعتبر ما سبق تعريفا علميا للحرباء، أو ربما للإرهاب أحيانا أخرى.
لا تندهش للمقارنة .. فالإرهاب بالفعل يمكنه إفتراس كل ما يقترب منه ويدمره، فكره آسن متعفن لا حياه فيه، هو منطوي ويكره الآخر، يمكنه أن يتلون كيفما يشاء، يعرف كيف يتأقلم مع البيئة التي يتسرطن فيها، من أجل ان يتكيف .. يختبيء وينزوي لفترة .. ثم يعود ليتحرك ليضرب من جديد بقواعد جديدة.
كنت صغيرا وقتما كانت القنابل تضرب في كل إتجاه، أتذكر مجلة الاطفال التي إعتدت شرائها، كان على غلافها بورتريه لطفلة صغيرة يملأ وجهها الغلاف كله وهي تضحك، شعرت بالخيبة يومها .. كنت أود أن أرى رسما أفهمه أو على الاقل رسما مثيرا أو حتى مبهجا، خيبة الامل إزدادت عندما طالعني نفس الوجه في الداخل وتحته مقال .. تجاوزته حتى لا أكره العدد كله، علني أجد قصة ما مصورة، وحينما إنتهيت .. مسني فضول طفل لحظي لأعرف الامر .. وقرأت قصتها، عرفت أنها كانت في مثل عمري عندما مزقتها عبوة ناسفة، مخبأة بخبث في سيارة.
قالوا لنا بعدها أنهم قد قضوا على الارهاب، ولم يخبرونا أن الامر كان منقوصا، قضوا على إرهاب العبوات الناسفة .. ليتركوا لنا عبوات مخبأة في العقول، تكفي واحدة منها لتنسف أفكار جيل، وأن تنسف حتى حريته، الارهاب الذي إنزوى ليعيد ترتيب أوراقه، عرف وقتها أنه قد خسر الجولة، كان عليه أن يختفي لعقد أو إثنين، ليُعاد إنتاجه بشكل جديد، ليصارع في جولة جديدة .. عاد بالتكفير وبكراهية الآخر، عاد بتحريم كل شيء من حولك، كان الامر دعابة في التسعينات، عندما كنا نقول أنهم قد حرموا الخيار أو البطاطس، الآن أصبح التصوير بالموبايل حرام .. وأن الانترنت به شبهه ما، وقد نجح .. نعم نجح في أن يجعل جزءا من شعب كان يحارب الارهاب، نجح في أن يجعله في صفه الان بطريقة ناعمة، صراحة لم أحسبه ذكيا لتلك الدرجة التي جعتله يربح الجولة وبكل إقتدار.
الجولة القادمة ستكون حاسمة .. إما أن نقطع ذيله، أو تصل جذوره في أقصى أعماق أرضنا، علينا أولا أن نفهم نحن قواعد اللعبة تلك المرة، إن أردت أن تطارد الحرباء فعليك الا تترك لها البيئة التي تتلون فيها، علينا أن نغير تلك البيئة من الاساس، قبل أن نكتشف يوما أن ما كنا نظنه زهورا تفتحت .. ما هو الا جيشا جديدا من الحرباوات كان مختبئا ليفترسنا في لحظة ما.
أكرم إمام