فضيلة الفاروق تكتب: درس التّاريخ
فضيلة القاروق
تراوحت أعمارنا بين الحادية عشرة والخامسة عشرة حين بدأنا نأخذ مادة التّاريخ كمادة أساسية في المدارس.
درسنا عن الأمم القديمة، حفظنا أسماء غريبة مثل القوط، والوندال، واللومبارديون والفرنجة والسكسون، وغيرهم من شعوب أوروبا، ولم نفرّق كثيرًا بين بيزنطة وروما، ولم نفهم حتى لماذا تقاتل النورمان والأنجلوسكسونيون، والجرمان.
كنا أطفالا، وكانت المعلومات المعقّدة لتاريخ البلاد البعيدة التي لا نعرفها تثقل رؤوسنا، ما جعلنا لا نفهم المادة، حتى أننا كثيرا ما نجحنا فيها بالغشّ.
لا شيء نفّرنا من التّاريخ سوى صدمة صغر أعمارنا وكثرة الأسماء والتفاصيل التي لا تعنينا، ولعلّ الحدث الوحيد الذي بقي عالقا في أذهاننا هو سقوط بيزنطة على يد شاب عمره واحد وعشرون سنة، هو محمد الثّاني بن مراد العثماني، المسلم الذي سحق القسطنطينية العظيمة في أيام معدودات وأسس لدولة إسلامية دامت ستة قرون بعده، كان مجرّد التفكير في عمر السّلطان الشّاب يجعلنا نشعر بالفخر.
لا أحد قال لنا أن سقوط بيزنطة كان سببا مباشرا لنهضة أوروبا، وخروجها من عصر الظّلمات، ولا عن أسرار الحكم العثماني الذي دمّر حضارة عمرها أكثر من ألف قرن، ليؤسّس لدولة عسكرية صمدت نصف قرن وانتهت بانهيار كارثي، علما أننا رغم تقدّمنا في العمر لم نهتم بما كان يحدث في الدولة العثمانية التي أرهبت العالم إلا حين أطلّت علينا السلطانة "هيام"، وبعدها السلطانة "قُسَم"، من على الشاشات العربية وأعادتا تلقيننا دروس التّاريخ بطريقة مُغايرة، فحفظنا الأسماء، والتّواريخ، والأحداث، وأخطاء السلاطين والأمراء، وفهمنا بعض الأمور التي غابت عنا، منها أن مادة التاريخ لا تفيد الأطفال في شيء، فهي مادة للكبار بامتياز، و إن لم تفد الكبار بعِبَرِها و فهم حاضرهم، فلا داعي من تعلمها، فالإنسان يحب تكرار أخطائه ليس من باب الغباء، بل من باب الغرور والثقة الزائدة بالنفس.
ومنها أيضًا أن التّاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط، بل يمكننا أن نكتبه ونحن منهزمون أيضًا، ونُعيد كتابته كلّما شعرنا بالحاجة لذلك، ولأن الإنسان قابل لتصديق كلّ ما يُكتب، فإن حيلة "إعادة كتاب التّاريخ" تنطلي عليه دائما، حتى أن أفرادًا لا علاقة لهم لا بالسلطة ولا بالّثورات ولا بمعارضة ولا بموالاة، كتبوا تاريخهم الخاص بهم من باب التسلية، ووثّقوا له، و أصبحوا بين ليلة وضحاها أبطالَ أزمانهم، وهؤلاء هم أكثر الناس فهمًا لمادة التّاريخ التّعيسة التي كنّا نمقتها، فقد استثمروا فيها بحكمة الثعالب وحنكة الشامبانزي ما لديهم من أفكار، وها هم يقفزون في رؤوسنا، دون توقف ونحن بكل سذاجة نعتقد أنهم صُنَّاع التاريخ.
Posted from my blog with SteemPress : https://www.nafhamag.com/2018/09/02/%d9%81%d8%b6%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d8%aa%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%af%d8%b1%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%91%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae/