التربية الأسرية والثقافة الشعبية بالقرى المغربية Family education and popular culture in the Moroccan villages
مما لا غرو فيه أن التربية لا تخلو من أي بيت به أطفال لكنها تختلف من بيت لآخر حسب عدة مستويات منها الاقتصادية
والاجتماعية والبيئية )المناخية(... مما يعني وجود تفاوت في التربية وتنوع. هذا الاختلاف لا يعدوا أن يكون كبيرا لكن يبقى
محصورا بالمستوى الثقافي للمربي. الامر الذي يدفع إلى القول بأن المستوى الثقافي يتضح من خلال تفشي آفة الجهل والأمية
بهذه المناطق لدرجة أن البعض الكثير ورث قولة شعبية عن أجدادهم يطبقونها على أولادهم وأولاد غيرهم وهي " وكلوا
وشربوا وحرث عليه " حيث لا صلة بين التربية والعلم هنا وتنعدم مبادئ الانسانية النبيلة حيت يضمحل الانسان إلى الحيوان.
وهناك عدة أقوال متقاربة في هذا الصدد " أََ دِ ري )الطفل_الشاب( إلى قال جعت تيقوا ولا قال عييت كذبوا. " لمناقشة هذه
المقولة أو المثل قد نجد العديد من الفرضيات فهل الطفل ليس له وقت لراحة ؟ وهل الاطفال خلقوا من الفولاذ كي لا يتعبوا ؟ لكن
تبقى هذه فقط أفكار ثابتة الوجود في عقلية الانسان القروي بالمغرب عموما و شماله بالخصوص . فقد يكون هذا المثل يدل على
قوة وحيوية الطفولة والشباب لكن ليس الجميع يفهمه بنفس الطريقة . أو بالأحرى بطريقة عميقة تبعد عنه الانغماس في الفهم
السطحي و دعوة لتطبيقه . وعلى العموم فالجانب الخرافي و العشوائي ينخر مجتمعنا البدوي بشكل سلبي للغاية والأقوال في هذا
المضمار كثيرة ومتنوعة سيأتي ذكر بعضها فيما بعد . فما هي الوشائج العلائقية بين التربية الاسرية والثقافة الشعبية ؟ وما
مدى خطورة الامر ؟ وكيف يجب التعامل مع ذلك؟
أولا : التربية الاسرية.
وهي التعليمات والنواهي والأوامر التي يستقبلها الطفل من أحد أفراد الاسرة وغالبا ما تكون في منزل.ونعني بأفراد الاسرة كل
من يحتك معهم الطفل بشكل يومي من قرابته العائلية في المنزل من الأم والأب والإخوة والجد )ة( والخادمة وغيرهم.
ثانيا : الثقافة الشعبية.
كل ما يؤثر في حياة الفرد من الأقوال والأمثال والأفعال المستمدة من روح التعايش الشعبي في الأوساط الطبقية الضعيفة
والمهمشة من خلال الطقوس التقليدية أو العادات المتوارثة .
ثالثا : بعض مظاهر التربية الأسرية بالبوادي . ) المغرب العميق (
هناك من الاباء من يزعم بأنه قد أدخل ابنه للمدرسة فقط من أجل ]تعلم الكتابة+القراءة+الحساب[ أي اكتساب الكفايات النوعية
بالسلك الابتدائي أو ما يسميه البعض بالمهارات الاساسية،وبالتعبير الشعبي "يتفقه شويا"،"يقلع لحروف " وبعد ذلك يتم
حرمانه من حقه المقدس من التربية والتعليم لأجل ممارسة أعمال الفلاحية و المنزلية ...وهذا يعتبر بمثابة نية مبيتة عند الآباء
لحرمان الأبناء من متابعة ، هذا إن أدخله المدرسة طبعا . أما إن حرمه بشكل قطعي فتلك الطامة الكبرى وهناك البعض ممن
يكتفي بالمسيد.
تتعدد أشكال الحرمان والتقصير في حق الأطفال فيقول البعض:"متفروهش حتى لوالى عاد نتا "فهنا المتعلم أو الطفل المحروم
تترسخ في ذهنه هذه المقولة لدرجة أنه يصبح مؤمن بها ويرى أنه لا جدوى من الدراسة وأن لقمة العيش تكسب بالجهد
العضلي في الفلاحة أو الصناعة المعيشية . وما يغني الأمر هو بعد المسافة عن عالم المدينة وقصر النظر والتأمل عند المحروم
.
ومن يزيدون الطين بلة هم من يقولون " ولد فلان مقراش وعايش بيخير " وهنا يربطون المستوى المادي المعيشي المظهري
بالتعلم فهم يحصرون العيش فقط في الأكل والشرب والنوم .وهناك معارضو هذه الفكرة بشكل آخر "راهم قراو ومداروا والوا"
مما يعني أنك ستكون لا محالة من اللذين يدرسون ولا يجدون مستقبلا مناسبا فلا جدوى من استكمال الدراسة .
هذا الذي قلناه يدخل في حظ الذكر والأنثى من التربية الشعبية الأسرية أما حظ الفتاة فهو أوفر من حظ الفتى .كيف؟
أول ما نستهل به حظ الفتاة هو الزواج حيث يتم اغتصابها وليس تزوجها لأن في الغالب ما تكون ما زالت قاصر ،هذا من جهة
من جهة الأخرى تبقى نظرة الأسرة للفتاة بأنها الفرد الضعيف في المجتمع ويمكن أن تجلب العار للبيت فتظل الفتاة بين ثنايا
المطبخ و دهاليز المنزل و فحم الزريبة تحترق حتى نهاية . هذا إن لم تتحول إلى رجل و تقوم بالرعي والحصد والسقي...وهنا
بذات يجب أن نشير إلى نقطة مهمة في فيزيولوجية الفتاة القروية بحيث تكون قريبة جدا من الفتى ، فبنيتها الجسدية تكون قوية
نوعا ما فقد تصل إلى قدرة الرجل وقد تتعداه في بعض الأحيان مما يعني أن نموها الجسدي يكون أسرع من نمو الفتاة المتمدنة
بإضافة إلى أن هذا النمو الجسدي يواكبه نمو نفسي و عاطفي أي أن الفتاة تصبح مع قساوة العيش رجلا يريد فرض السيطرة
وإرضاء رغباته .
فكل ما ندرجه هنا يجب أن يؤخذ بعين اعتبار الأستاذ في المدرسة ويحاول أن يصحح هذه الرؤى لدى للمتمدرسين بالدرجة
الأولى و بمن يتواصل معهم من أهل المتمدرسين وغيرهم.
إن الضغوط الممارسة على أبناء البادية سواء الذكور أو الإناث تجعلهم أكثر عنفا من غيرهم فعندما تتراكم قساوة الطبيعة
ووعرة التضاريس وشح المياه وضعف المردود الزراعي وتسلط الآباء وعدم رضا النفس بما هي عليه فإنها تصنع بركانا شديد
الغضب.
وللأستاذ دور مهم في هذا الجانب فيجب عليه أن يكون لينا في معاملته وصبورا على شغبهم لأنهم سيجدون فيه ضالتهم التي لا
يجدونها في مكان آخر ويستغل الأستاذ بدوره ليونته من أجل تعميق المكتسبات المعرفية للمتعلمين وتحفيزهم للعطاء أكثر لأن
بعض الآباء يستغلون تدهور مستوى أبناءهم في الدراسة كي يحرموهم من مواصلتها ، لذلك فعلى الأستاذ أن يرسخ في ذهن
المتعلمين مدى أهمية العلم وطلبه وكذا تشبثهم بحقهم في تعليم .وللإشارة فإن بعض ممن يحفهم الهذر المدرسي عند عودتهم
مجددا إن أعطيت لهم الفرصة طبعا فإنهم يجدون الأمر معضلة إن كانوا لم يكتسبوا مهارات اللازمة في المرة الأولى ،أما إذا
كانوا قد اكتسبوها فإنهم يواكبون بشكل أفضل .
فالمدرس في البادية يجب أن يبذل مجهودا مضاعفا في عمله لأن المتعلم تتكون لديه هوة بين ما يتعلمه في المدرسة وبين ما
يحيط به في أرض الواقع بعكس الأستاذ في المدينة حيث يكون المتعلمين على إطلاع ببعض ما يدرسونه وما يجدونه في حياتهم
اليومية .ولعل أبلغ وسيلة في سد هذه الفجوة هو الأدوات الإلكترونية المتوفرة حاليا وإن كان أمر صعب في بعض البوادي التي
لا تتوفر على الكهرباء وهذا نداء طبعا للدولة في تزويد العالم المغربي المظلم بالكهرباء وأحسنها الطاقة المتجددة الشمسية .
وإني من كل هذا أقول لا أريد سوى لفت الانتباه للموضوع وأخط أرض الخطوط فيه وأصرح بأن الطفل القروي لا يلام في أي
شيء بقدر ما يلام... وهنا لا أجيب بل أسئل :مسؤولية من ؟
فالأسرة القروية لا تفكر سوى في جمع قوتها والحفاظ على حقها الأعظم ألا وهو حقها في العيش. والأستاذ يصبح ممن ينطبق
عليهم المثل الشعبي "من عاشر قوما أربعين يوما أصبح منهم" لما له من ويلات الغربة و عدم توفر الإمكانيات الملائمة. إذن
من الملام؟
وبالنسبة لدعم المالي و المادي للمدرسة فأني أنادي كل المسلمين و المحسنين لي غادي تخرجوه فالزكاة أو الصدقات للمسجد
الذي تذهبون إليه أن يهبوه للمدرسة التي تربي أبناءهم الصغار و الكبار ولها عدد الأساتذة أكبر بكثير من عدد الأئمة في
المساجد .
el-mehdi ez-zemrani المهدي الزمراني